-
بشيرة درويش " لليفانت نيوز ": متفاعلة مع الحدث بالأحاسيس قبل كل شي
تسطر وتقص بقلمها الكردي إلى جانب اللغة العربية تعابير أدبية شادة وجاذبة وتسرد الأحداث بأسلوب يخصها، متحديةً نفسها لتفرضها على الساحة الأدبية من خلال ما تحبره، مستمتعةً بما تكتبه وتدونه على صفحات كتاباتها.
بشيرة درويش تسير متعثرةً بالمصاعب والتحديات متغلبةً عليها صاعدةً خشبة مسرح الكتابة والأدب لتفرغ ما بجعبتها وتلقي بكتاباتها واحدة تلو الأخرى، متجاوزة القيود المجتمعية باختلافاتها كافةً، تحاول التعبير من خلال التقارب والتفاعل بين لغة الكتابة لديها واللغة المجتمعية، وفي خضمه تداخُل صوتها كقاصة مع صوت المجتمع ضمن حركتها القصصية.
كان لباكورة أعمالها (ابنة الشمس)، والتي كتبت باللغة العربية، الوقع الأكبر عليها، والتي باتت بمثابة هوية تعريفية لها، معتمدة أسلوباً ونمطاً جديداً للقصة القصيرة، تقول فيها:
لا تعبث معي
سأحيا رغماً عنك
لا تعبث معي
عندما حاولت
قص ضفائري المزينة بالحناء
كنت قد سبقتك
وزرعت فيها نراجس بيضاء
وعلقتها على أغصان شجرة البلوط
ففي وطني.. لا نار
ولا حتى ثلوج تقتل البلوط
أنت ما زلت غافلاً عني
ولا تعرف الكثير عني
فأنا قامشلو.. وعفرين.. وآمد
وجبال همرين
ومهاباد وكركوك
أنا كوردستان
وأيضاً لديها كتاب له نمط الهايكو باللغة العربية، والذي يحمل عنوان (أسراب الأحلام الشاردة)، بالإضافة إلى مجموعتها العربية المترجمة للغة الأمازيغية بعنوان (أعراس الشهداء)، صدر حديثاً ولم يوزع بعد، فيما طُبعت مجموعات أخرى باللغة الكوردية، ومنها بعنوان Buxçikahêviyan أي صرة الأمنيات.
شاركت درويش في كل من معرض هولير الدولي الرابع عشر ومعرض الشهيد هركول للكتاب بالقامشلي. وكان لصحيفة ليفانت نيوز اللندنية، ومن خلال مكتبها في القامشلي، الحوار التالي مع الكاتبة والأديبة بشيرة درويش.
- هناك أحداث تكتب شعراً ولا يجوز لبعضها إلا أن تكتب قصة
- معظم قصصي من الواقع الذي نعيشه لأنها تكون ذات أثر بليغ على نفسي
- من بين النساء الكورديات فأنا الأولى التي كتبت القصة القصيرة جداً باللغة الكوردية وكتابي
نص الحوار كاملاً
بشيرة درويش إنسانة وقاصة.. هل من مقارنة؟
أهلاً بكم أولاً.. كما قلتم بشيرة درويش إنسانة وقاصة، قبل كل شيء أنا إنسانة، سواءً كنت شاعرة أو قاصة أو غيرها، لا مقارنة بما إنني إنسانة فلا بدّ أن أشعر بما يحدث حولي، وككاتبة أسطّر بما أشعر به، سواءً شعراً أم نثراً أم قصة، فلكل حدث موقعه لدي يكتب بأسلوب معين، فمنه من يُكتب شعراً وآخر قصة. ولا أعتبر نفسي كاتبة. إذا لم أشعر بما يجري حولي ولا أدونه، وإلا فكيف أكتب؟ ولماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟
بشيرة درويش تكاد تسدل الستار نهائياً عن السياسة فتنسج علاقة جديدة مع عالم الأدب، خاصة القصة القصيرة. ما الذي جاء بك إلى عالم الآدب؟ وكيف تم هذا التحول بين مجالين مختلفين؟
ليس تكاد، بل أسدلت الستار تماماً عن السياسة، على العكس كنت أكتب في الأدب قبل أن أخوض مجال السياسة، فالأدب كان سباقاً وليس تحولاً لداخل بشيرة درويش، وكان لي ثلاثة كتب غير مطبوعة، ومن ثم تطرقت إلى مجال السياسة. ولكن لم أجد نفسي في السياسة أبداً لأن السياسة هي إيجاد المخرج للأزمات التي تعاني منها الشعوب بأي شكل من الأشكال وعلى حساب أي شيء كان ويكون. بينما الأدب هو الانغماس بكل الحواس في الأزمات لدرجة الألم لتخلق لدي قصيدة أو قصة أو غيرها. متفاعلة مع الحدث بالأحاسيس قبل كل شي.
في تصوري، إن العمل التخصصي هو الوسيلة الناجعة في التنمية الثقافية ولكن لاحظي أن معظم كتاباتك تتوزع بين القصة والقصة القصيرة جداً والشعر والهايكو. لماذا هذا التنوع في قلمك؟ ألا تعتبرينه تشتتاً؟ وهل بإمكانك إعطاء صورة عن راهن الكتابة لديك الآن؟
في بداياتي كنتُ أكتب الشعر الحر والقصة ولدي مطبوعات في هذين المجالين وباللغتين الكوردية والعربية، وأنا أعتبر الأولى التي كتبت القصة القصيرة جداً باللغة الكوردية على مستوى كوردستان وبأسلوب جديد ألا وهو القصة المحكية، وبلسان المجتمع، لأنها قصص اجتماعية وتُرجمت العديد منها للعربية وللهجة السورانية، وغيرها، ونالت جوائز، ومجموعتي القصصية الأولى المعنونة بـ Marên di hêlînênkevokan de أي (الأفاعي في أعشاش الحمائم).
نالت شهادة تقدير وشكر من رئاسة إقليم كوردستان، وهي عبارة عن قصص قصيرة جداً عن الناجيات الشنكاليات من يد داعش، وما خلفه داعش في هذه المرحلة، وبعد دراسة عميقة وعن طريق الصدفة انخرطت في عالم الهايكو (الشعر الكلاسيكي الياباني) والذي يمتلك قواعد خاصة، حسب لغة اليابان الأكثر تعقيداً، وهو شعر جميل يعتمد على لغة الطبيعة والدهشة وعنصر المفاجئة، بل ونالت نصوصي في هذا الشأن العديد من الجوائز وشهادات التميز في الكتابة الإبداعية عبر منتديات وأندية ومدارس مختصة بالهايكو، وكتابي الآخر قيد الطباعة وهو بعنوان: (ألف هايكووهايكو).
وهذا الفن تميزت به وعرفني على عالم آخر وأناس آخرين وانتشرت العديد من كتاباتي إلى أن وصل لإفريقيا والمغرب الكبير وبعض الدول الأوربية. فهناك أحداث تكتب شعراً ولا يجوز لبعضها إلا أن تكتب قصة وبعضها الآخر يناسبها الهايكو ولا فرق لدي في هذا. فالهايكو كما القصة القصيرة جداً، والتي قال عنها صديقي الشاعر من تونس بأنها أصعب وأعقد من كتابة الرواية.
كونك تحبرين قصصاً كثيرة فلا بد أن يكون لديك ثمة طقوس، خاصة في اللغة والكتابة، حبذا لو تخبرينا عن تلك الطقوس.
لن أخفي عليكم أن البعض يظن أنني كبعض الناس أتهيأ للكتابة مع فنجان قهوة.. غير ذلك ففي الشعر لا يوجد توقيت معين لأن الشعر إلهام ليس له وقت معين لنتهيأ له، بل نستقبله بغمضة عين دون استئذان، أما القصة فهي عكس الشعر تماماً يجب أن نفسح لذلك مساحة ووقتاً كذلك التحضير النفسي، وعليّ أن أستجمع كل قواي وحواسي لما حدث أو يحدث أمامي أو سمعت عنه أو عشته فأجعل جميع حواسي بين السطور وأنصب قلمي صوبها أنني أكتب قصصاً واقعية من الواقع الذي أعيشه وليس من عالم آخر أو خيال، بعيداً عني، أكتب عن نبض الشارع وآلام شعبي ومعاناة المرأة وكل ما يهزّ وجداني وزلزلني فأنكب على الكتابة لدرجة الامتزاج، لذا لا بد أن أكون وحدي لا يقطع سلسلة افكاري أحداً.
أنتِ تعتمدين منهجاً وأسلوباً خاصاً بك في كتابة القصة القصيرة باللغتين. من أين تأتين بها؟ ما الموضوعات التي تتناولينها أم أنك تتفاعلين من التجربة الحالية؟
شرحت في جواب السؤال السابق بأنني أول النساء الكورديات التي بدأت بكتابة القصة القصيرة جداً باللغة الكوردية، وبهذا الأسلوب الحديث ومعظم قصصي من الواقع الذي نعيشه لأنها تكون ذات أثر بليغ على نفسي لتترجم كتابياً على الورق.
بشيرة درويش إحدى الكاتبات التي وضعت حجر الأساس للقصة القصيرة جداً وتكتب باللغة الكوردية، فكيف تنظر إلى من سبقها في هذا النوع من الأدب؟ وهل تعتبر نفسها رائدة في هذا المجال؟
هنالك كتّاب كثر كتبوا القصة القصيرة جداً وبأسلوب جميل جداً، ومنهم على سبيل المثال، عامر فرسو مثلاً، ولكنه يكتب باللغة العربية وغيره. هناك الكثير ولكن من بين النساء الكورديات فأنا الأولى التي كتبت القصة القصيرة جداً باللغة الكوردية وكتابي Marên di hêlînênkevokan de. مثال على ذلك كتب المقدمة الأستاذ دلدار شكو، فهذا الكتاب هو أسلوب جديد لكتابة القصة القصيرة.
نعم وبدليل ترجمت للسورانية العديد منها ونشرت في مواقع وصحف أدبية، ونالت الجائزة التي ذكرتها، وبطاقة شكر وتقدير من رئيس إقليم كوردستان العراق، السيد نيجيرفان بارزاني.
في الآونة الأخيرة تزايد عدد الاتحادات والروابط للكتاب والأدباء، هل هذه الروابط والاتحادات تساهم في تنشيط وتطوير الأدب أم أنها مجرد روابط واتحادات وهمية اسمية موسمية؟
لا شك أن الاتحادات والروابط تمكننا من التعرف عن قرب على أدباء لهم مكانة معينة فكل منا يستفيد من الآخر، وتجارب غيرنا وعن طريق هذه الروابط والاتحادات نتعلم بعض الأشياء التي نفتقد الكثير منها، كمعاني بعض الكلمات التي كانت غائبة عنا بما أننا تحت سيطرة لغة ليست لغتنا الأساسية، فاللغة الأم كانت ممنوعة وسجينة، حتى الآن، لألفاظ وكلمات دخيلة، وبما أن هذه الاتحادات تضم كتّاباً لهم اسم، فلا بد أن نتعمق وتقوى عندنا كتابة الأدب بلغة الأم، مهما كانت وأيّاً كان موقعها أو ارتباطها بجهات حزبية، فالأهم من كل هذا هو الأدب والارتقاء به.
حصلت بشيرة درويش مؤخراً على عدة جوائز أدبية من منتديات على مستوى الوطن العربي، كيف كان وقع ذاك على نفسها؟
نعم حصلت على جوائز عدّة. إنه لشعور جميل بأن أُكرّم فهذا يعطيني حافزاً لأبدع أكثر وأصقل قلمي وكتاباتي أكثر لأنها عرفتني على عالم خارجي لم أكن أعرفه، وعلى أدباء أجانب وأمازيغ وعرب وكورد كبار عرفوا بشيرة درويش وعرفتهم ليأخذوا قصائدي وقصصي ويترجموها ويضموني لأنتولوجيات مع عدد من الشعراء وكتاب لم أكن أعرفهم سابقاً ليتعرفوا على شعبي ومعاناتهم من خلالي وينشروا كتاباتي في دولهم ومجتمعاتهم، فأصبحت قصائدي ونصوصي الهايكو أجنحة جابت الجزائر والمغرب الكبير وإفريقيا وأوروبا، وطالبوني بزيارة بلدانهم وحضور مهرجاناتهم الأدبية.
أليس جميلاً أن يضاف إلى شعبي شعوب أخرى تقرأ نتاجاتي وينشرونها لتعرفني شعوب أخرى كأديبة شاعرة وقاصة وهايكست كوردية سورية ويكون لها صيت وصل لهناك قبل أن يروني وأراهم؟
تحياتي لكم وأشكركم مع تمنياتي لكم بالنجاح والاستمرار.
ليفانت - مكتب القامشلي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!